في الحلقة السادسة من برنامج "عالم الغد" يحاور جوليان أسانج مؤسسة موقع " ويكيليكس" رفائيل كوريا رئيس الاكوادور أحد زعماء أمريكا اللاتينية من جيل الشباب ذي التوجهات الحداثية المستقلة.وكوريا يساري شعبوي غير وجه الاكوادور،ولكنه خلافا لاسلافه، فإنه يحمل أيضا شهادة الدكتوراه في الاقتصاد. ووفقا لبرقيات سفارة الولايات المتحدة، فإن كوريا هو الرئيس الأكثر شعبية في تاريخ الديمقراطية الاكوادورية.لكن في عام 2010 أخذوه رهينة في محاولة انقلاب.وهو يؤكد أن وسائل الاعلام الفاسدة كانت وراء محاولة الانقلاب الفاشلة تلك، وبالتالي شن هجوما مضادا مثيرا للجدل.ويقول كوريا إن وسائل الإعلام بالذات هي التي تحدد ما هي الإصلاحات الممكنة.ويتسائل أسانج :أنا أريد أن أعرف، ما هي مبررات موقفه هذا ؟ وما هو تصوره لأمريكا اللاتينية؟ ونقدم الى المشاهدين الحوار نص الحوار بين أسانج وكوريا.
كوريا: هل تسمعني؟
أسانج: أنا أسمعك، يا سيادة الرئيس.
أسانج: مرحبا ... يسعدني اللقاء بك.
كوريا: أين أنت، في انجلترا؟
أسانج: أنا في انجلترا تحت الإقامة الجبرية منذ خمسمائة يوم.
كوريا: خمسمائة يوم ... لا بأس
أسانج: نعم .. من دون تهمة.
كوريا: مفهوم.
أسانج: هل أنت مستعد؟
كوريا: أفضل الحديث بالاسبانية.
أسانج: حسناً، نأمل بأن تجري الأمور على ما يرام. هل أنت مستعد؟ لنبدأ.اما هو موقف الاكوادور من الولايات المتحدة ، أقصد الموقف من التعاون البعيد المدى مع واشنطن. أنا لا أسأل عن الصورة الكاريكاتورية للولايات المتحدة، ولكن عن آراء الناس في الاكوادور فيما يخص تدخل الولايات المتحدة في شؤون أمريكا اللاتينية وفي الاكوادور؟
كوريا: كما قال إيفو موراليس فأن الدولة الوحيدة التي لا يمكن أن يقع انقلاب عسكري فيها هي الولايات المتحدة، وذلك لعدم وجود سفارة أمريكية فيها. على أي حال، أود أن أبين أن أحد الأسباب التي أدت إلى امتعاض الشرطة هو أننا قطعنا كل الأموال التي كانت تأتيها من السفارة الأمريكية. قبل أن أتولى السلطة ، بل وحتى خلال العام الأول من تولي منصب الرئيس كانت هناك وحدات شرطة كاملة، وحدات أساسية، تمول كليا من قبل السفارة الأمريكية .. وكان السفير الأمريكي يختار قادتها من الضباط الذين تمولهم الولايات المتحدة لذالك ، قمنا برفع رواتب الشرطة بشكل كبير لكن القسم الأكبر منهم لم يلاحظ ذلك ، لأن التمويل قبل هذا كان يأتي من مصدر آخر. ونجحنا في الخروج من ذاك المأزق. لكن البعض منهم لا يزال يحن لتلك الأيام، التي لن تعود أبداً. أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن علاقتنا بها كانت دائما مبنية على الصداقة، ولكن في إطار السيادة والاحترام المتبادل. أنا عشت في الولايات المتحدة، وحصلت على شهادتين أكاديميتين هناك. وأنا أحب الشعب الأمريكي ومعجب به بشكل كبير. صدقني إن آخر ما أفكر فيه هو أن أكون معاديا لأمريكا.. لكنني سأسمي الأشياء بأسمائها دائماً .. وإن كانت الولايات المتحدة تتبع سياسة مضرة لبلدنا، أو لأمريكا اللاتينية... فإنني سأندد بذلك بقوة. ولن أسمح بمس سيادة بلادي.
أسانج: حكومتك أغلقت القاعدة الأمريكية في مانتا ... هل يمكنك أن تخبرنا لماذا قررتم إغلاق تلك القاعدة؟
كوريا: لكن هل تقبل أنت أن تكون هناك قاعدة أجنبية في بلادك يا جوليان؟ أنا في السابق اقترحت حلاً بسيطاً، إن وافق الأمريكيون عليه فبامكانهم انشاء قاعدة أمريكية في الإكوادور... نحن مستعدون للسماح لهم بذلك بمجرد أن يسمحوا لنا بإقامة قاعدة عسكرية إكوادورية في ميامي .. إذا كانت الأمور بهذه البساطة، فيجب عليهم أن يوافقوا على ذلك. يبدو أنك مستمتع كثيرا بهذه المقابلة يا جوليان! حسناً، هذا يسعدني. أنا مستمتع ايضا.
أسانج: نعم، أنا مستمتع جدا بنكتك يا سيادة الرئيس كوريا. لماذا تريد منا أن نكشف عن كل البرقيات؟
كوريا: لأنه ليس لدينا ما نخفيه ولهذا لا نخشى شيئاً. مثلاً، ويكيليكس ساعدتنا جداً، لأن الاتهامات الرئيسية الموجهة من قبل السفير الأمريكي كانت حول وطنيتنا الزائدة، والدفاع عن سيادة الحكومة الاكوادورية.. نحن بالفعل وطنيون، نحن بالفعل ندافع عن سيادة بلادنا. من جهة أخرى، ويكيليكس كتبت كثيرا عن المصالح الخاصة التي تسعى إليها وسائل الإعلام الوطنية، عن جماعات النفوذ التي تتردد على السفارات الأجنبية وتقدم التقارير وتطلب المساعدة. نحن لا نخشى شيئا على الإطلاق، انشروا كل ما لديكم عن الحكومة الاكوادورية. وحينها سوف تظهر للعلن أشياء كثيرة عن الصفقات القذرة ، عن خيانات وانتهازية من يسمون بالمعارضين، أولئك الذين يقفون ضد الثورة المدنية في الاكوادور.
أسانج: كنت، في وقت سابق، قد طردت سفيرة الولايات المتحدة في الاكوادور، نتيجة لما نشرته ويكيليكس من برقيات
. لماذا طردتها؟ أعني، بعد أن حصلت على هذه البرقيات التي أرسلتها السفيرة، أصبحت تعرف طريقتها في التفكير! ألم يكن من الأفضل الابقاء على شيطان تعرفه ؟
كوريا: قيل لها هذا. لكنها قالت بغطرسة إنها ليس لديها ما تقوله...هذه المرأة كانت معادية لحكومتنا، إنها امرأة يمينية متطرفة من مخلفات الحرب الباردة في الستينيات.. والقشة التي قصمت ظهر البعير كان ما نشرته عنها ويكيليكس، حيث ذكرت السفيرة أن مصادرها في الاكوادور قد أبلغتها أن رئيس الشرطة فاسد، وأنني قد عينته في هذا المنصب مع علمي بأنه فاسد كي أتمكن من السيطرة عليه. وتم استدعاء السيدة السفيرة وطلب منها إعطاء تفسير لما كتبت، ولكن وبكل وقاحة، وبكل إستكبار، وبروح إمبريالية ، قالت إنها ليس لديها ما تفسره. وبما أننا هنا نحترم بلدنا، فلذلك قمنا بطردها.
أود أن أضيف أنه منذ بضعة أشهر، وبعد عام تقريبا من التحقيق، أتضح أن قائد الشرطة الجنرال هورتادو – بريء من جميع التهم التي وصمته بها السفيرة الأمريكية في برقيتها. هذا يظهر مرة أخرى مدى سوء نية مسؤولي الولايات المتحدة، تجاه الحكومات التقدمية الساعية للتغيير.. يرفعون التقارير عن أشياء لا أساس لها، تقارير مبنية على محض شائعات تقدمها لهم المصادر الخاصة بهم، والذين هم عادة من المعارضين لحكومتنا.
أسانج: الرئيس كوريا ... كيف تجد التعامل مع الصينيين؟ الصين دولة كبيرة قوية... ألا ترى أن تطويركم التعاون مع بكين هو بمثابة تبديل شيطان بآخر؟
كوريا: بادئ ذي بدء، نحن لا نتعامل مع الشياطين... وإن جاءنا شيطان واقترح علينا تقديم خدماته ، نقول له بكل بساطة: "شكرا لاداع"... ثانيا، يمكنك أن ترى الترويج، والخيلاء، وحتى لمحات الكولونيالية من بعض شخصيات من يسمون بالنخبة وبعض وسائل الاعلام. عندما كان 60٪ من تعاملاتنا التجارية مع الولايات المتحدة والاستثمارات متركزة فيها، في وقت لا يخصص فيه شئ للتنمية، لم تكن هناك أي مشكلة. والآن عندما أخذت بلادنا تجتذب استثمارات صينية أكثر من غيرها من دول المنطقة، بدأوا فجأة يثيرون الضجة ويصرخون: الصينيون خدم الشيطان. وكل هذا لأن الصينيين سمر الوجود وليسوا طويلي القامة وعيونهم ليست فاتحة اللون، لهذا فإنهم شياطين! ولكن كفى تفاهة.
وإذا كانت الصين تمول حتى الولايات المتحدة، فالأحرى بنا أن نرقص من السعادة لأن الصينيين يستثمرون أموالهم في الاكوادور! كم هو رائع أن يستثمروا أموالهم في استخراج النفط والمعادن وانشاء محطات كهرمائية. الاستثمارات لا تأتينا من الصين فقط، بل من روسيا والبرازيل أيضاً. لقد قمنا بتوسيع أسواقنا ومصادر التمويل لدينا. ومع ذلك، هناك أناس ولدوا ونير العبودية في رقبتهم، وهم يفضلون دائما أن يكونوا بهذا المستوى من التبعية. هذا هو كل شيء.
أسانج: سيادة الرئيس ، أنت تعلم أنني خضت على مدى عدة سنوات معركة من أجل حرية التعبير، من أجل حق الناس في التواصل، من أجل الحق في نشر المعلومات الصحيحة. هل تستطيع التأكيد على أن إصلاحاتكم لن تضيق حق نشر المعلومات الصادقة؟
كوريا: حسنا، جوليان، أنت خير مثال على ما يجب ان تكون عليه الصحافة، فضلا عن تلك الجمعيات كجمعية الصحافة بين الأمريكتين، والتي تعتبر مؤسسة لملاك الصحف في أمريكا اللاتينية. وقد كُتب العديد من الكتب حول ويكيليكس خاصة هنا في أمريكا اللاتينية، وآخر ما كتب كان من قبل مؤلفين ارجنتينيين اثنين، احتوى على تحليل ما يختص بكل بلد على حدة، وفيما يخص الاكوادور فإن الكتاب يظهر انعدام الضمير عند وسائل الإعلام هنا التي لم تنشر تلك البرقيات أو الأخبار التي قد تضر بهم. على سبيل المثال، اذا كانت الوثائق تصف النزاعات بين مختلف مؤسسات الأخبار، فإنها اتفقت فيما بينها على عدم نشر غسيلهم القذر أمام الرأي العام حتى لا تفقد مصداقيتها... سأقرأ لك واحدة من برقيات ويكيليكس التي قررت الصحافة الاكوادورية عدم نشرها: " الصحافة قادرة على انتقاد الحكومة بحرية، لكنها غير قادرة على انتقاد مصرفي يهرب أمواله ، وهذا يوضح كثيراً لمن تعود السلطة في الاكوادور."
هذه واحدة من الرسائل نشرتها ويكيليكس، ولكنها لم تنشر حتى الآن من قبل الصحافة الاكوادورية. أوردت المثال لترى ما الذي نواجهه في الاكوادور وفي أمريكا اللاتينية. نحن نعتقد، يا عزيزي جوليان، أن الحد من الوصول إلى المعلومات والحد من حرية الكلمة لا يمكن إلا على أساس ما تنص عليه قواعد المعاهدات الدولية، واتفاقية البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان أي الشرف وسمعة الناس ومراعاة أمنهم وأمن الدولة. أما ما عدا ذلك، فكلما ازدادت معرفة الناس به كان ذلك أفضل. أنت عبرت عن مخاوفك، وتلك المخاوف تتكرر عند الصحفيين حسني النية، أولئك المتأثرين بالصور النمطية التي تبعث الخوف من أن الدولة قد تحد من حرية التعبير. لكن ذلك نادرا ما يحدث في أمريكا اللاتينية. تلك مجرد ظرفة. من فضلك، ضع في اعتبارك أن قوة وسائل الاعلام هنا كانت، وربما لا تزال، تفوق قوة السلطة السياسية. وسائل الإعلام تملك في الواقع سلطة هائلة: سياسية واقتصادية واجتماعية والأهم إخبارية تستغلها لمصالحها الشخصية.
المسيطرون على وسائل الاعلام هم الناخبون المتنفذون والمشرعون ، والقضاة الأقوياء، الذين يحددون الجدول الاعلامي اليومي، ولقد أخضعوا لسيطرتهم الحكومات والرؤساء والمحاكم ... دعنا نكف عن تصوير الصحفيين على أنهم أناس أتقياء شجعان يكافحون لقول الحقيقة ... بينما الطغاة، والمستبدون يحاولون عرقلة ذلك. هذا ليس صحيحا. العكس هو الصحيح. الحكومات التي تحاول أن تفعل شيئا للغالبية العظمى من الشعب يتم اضطهادها من قبل الصحفيين الذين يعتقدون أنهم بامتلاكهم قلما وميكروفونا، يحق لهم كل شيء، حتى صب غضبهم، عليك. في كثير من الأحيان يقومون بالإهانة والتشهير من منطلق عدم الإعجاب لا أكثر. في الغالب تدافع وسائل الإعلام عن مصالح اشخاص معينين.
حسناً، ليعرف العالم في الواقع ما يحدث في أمريكا اللاتينية. عندما توليت منصبي كانت هناك سبع قنوات تلفزيونية وطنية. لم تكن هناك قناة تلفزيونية مملوكة للدولة، بل كانت كلها قنوات خاصة، وخمسة منها يملكها أصحاب البنوك. ويمكنك أن تتخيل ما حدث، حين أردت أن أتخذ تدابير ضد المصارف من أجل احتواء الأزمة على سبيل المثال، ومنع الانتهاكات التي يحاربونها الآن في أوروبا، وخاصة في إسبانيا، لقد واجهت حملة إعلامية لا ترحم تهدف إلى الدفاع عن مصالح أصحابها، أصحاب تلك الشبكات التلفزيونية ، ملاك البنوك. دعونا لا نخدع أنفسنا. دعونا نتخلص من التصور الكاذب والقوالب النمطية التي تصور الحكم كشرير يضطهد الشرفاء والشجعان من الصحافيين ووسائل الإعلام. جوليان، العكس هو الصحيح في الأغلب. الأشخاص المتنكرون بهيئة الصحفي يحاولون التأثير على السياسة وعرقلة عمل الحكومة، حتى يبقى كل شيء كما كان عليه في السابق في منطقتنا، خوفا من فقدان السلطة التي كانوا يتباهون بها دائما.
أسانج: سيادة الرئيس ، أنا أتفق مع وصفك لوسائل الإعلام. لقد رأينا مرارا وتكرارا كيف لجأت المؤسسات الإعلامية الكبرى التي تعاونا معها مثل الجارديان، البايس، نيويورك تايمز ودير شبيغل، إلى فرض مقص الرقيب على المواد الخاصة بنا، رغم أن ذلك مناف لاتفاقنا معهم. فعلوا ذلك أحياناً لدواع سياسية ما أو لحماية أحد حيتان المال كما فعلوا مع تيموشينكو في أوكرانيا والتي تخبئ ثروتها في لندن. أو شركة النفط الإيطالية الفاسدة التي تعمل في كازاخستان... لدينا براهين، لأننا نعرف ما تحتويه الوثائق الأصلية. نحن نعرف ما نشروا وما شطبوا. ولكن يبدو لي أن النهج الصحيح من أجل مكافحة الاحتكارات والاحتكارات الثنائية والتكتلات في السوق هو تفتيتها إلى أجزاء ، وفي الوقت نفسه إنشاء الظروف المناسبة لظهور وسائل إعلام جديدة في السوق.. ألا ترى أنه من الضروري إنشاء نظام يسهل معه الدخول الى سوق الاعلام ؟ نظام يحمي الشركات الصغيرة والأفراد ويخلصهم من قيود القواعد الكثيرة... أما الشركات الضخمة فعلى العكس: إما أن تنقسم إلى عدة شركات، وإما أن يخضع نشاطها إلى قواعد وتعليمات صارمة؟
كوريا: ... هذا هو ما نحاول القيام به، يا جوليان. لأكثر من عامين يدور نقاش حول مشروع قانون وسائل الإعلام الجديد الذي يقسم محطات الإذاعة وقنوات التلفزيون، إلى ثلاث مجموعات: ثلثها للقطاع الخاص الذي يهدف إلى الربح... والثلث الآخر يكون غير ربحي وملكاً للمجتمع، والثلث الباقي يكون ملكاً للدولة... ليس فقط للحكومة المركزية، ولكن أيضا للسلطات المحلية والبلديات والهيئات المحلية الأخرى.
على الرغم من أن الأمر شرعي وتمت الموافقة عليه في تصويت عام 2008، وأيدته أغلبية الشعب الاكوادوري خلال الاستفتاء الشعبي العام الماضي، إلا أن الأمر أخذ منا عامين... وشركات الإعلام الضخمة تستمر في عرقلة هذا القانون. فالمشرعون في البرلمان الإكوادوري ، اللذين يدافعون عن مصالح وسائل الإعلام مقابل المال يصفون ذلك القانون "بالكمامة"... أما نحن فنريد جعل الحصول على المعلومات والاتصالات الاجتماعية وملكية وسائل الإعلام أكثر ديموقراطية ، ولكن من الواضح أننا نواجه معارضة مريرة من قبل مالكي وسائل الإعلام، والناطقين باسمهم في الساحة السياسية الاكوادورية...
أسانج: لقد تحدثت إلى الرئيس التونسي مؤخرا وسألته ما إذا كان مندهشا من قلة إمكانيات الرئيس لتغيير الأمور؟ ألا يخالجك مثل هذا الشعور؟
كوريا: انظر، لقد حاولوا إعطاء صورة وحشية حتى لمفهوم القيادة ذاته. واحدة من أهم الأزمات في أمريكا اللاتينية خلال التسعينيات، في بداية هذا القرن، وخلال ليل الليبرالية الجديدة الطويل والمحزن، عانينا من أزمة القيادة. ما هي القيادة؟ القدرة على التأثير على الآخرين. القيادة قد تكون ايجابية عندما يستخدم القائد هذه الإمكانية لخدمة الآخرين وقد تكون سلبية عندما يستغل القائد الناس من أجل مصالحه. وغالباً ما ترى الاخيرة في أمريكا اللاتينية للأسف.أعتقد أن القيادة أمر بالغ الأهمية، بل وأكثر من ذلك خصوصا إذا كنت تسعى إلى إجراء التغيير.
هل يمكنك تصور استقلال الولايات المتحدة دون القادة العظام الذين كانوا وراء ذلك؟ أيمكنك تصور إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية دون القادة العظام الذين كانوا وراء ذلك؟ ولكن من أجل الوقوف في وجه التغييرات الجديدة، يصمون الزعماء بأنهم طغاة، وشعبويين، وكأن الشعبوية أمر سيئ. وهذا النوع من القيادة أخذ يلعب دوراً أكبر ... اسمح لي من فضلك يا جوليان أن أنهي هذه الفكرة....
في الاكوادور، وفي أميركا اللاتينية، نحن لا ندير نظاما بل نحن نغيره. لأن النظام الذي كان لدينا لعدة قرون فشل فشلا ذريعا... حولنا إلى أكثر المناطق الأكثر تفاوتا في العالم، إلى منطقة يعمها الفقر والبؤس، ولكنها منطقة تحتوي على كل ما يلزم لتكون الأكثر ازدهارا في الكون... الأمر ليس كما في الولايات المتحدة. ما الفرق بين الجمهوري والديموقراطي؟ أعتقد أن هناك فرقا في ما افكر فيه في الصباح وما أفكر فيه في ما بعد الظهر أكبر بكثير من الفرق بين الجهوري والديمقراطي، لأنهم يقومون بمجرد إدارة النظام. ولكن هنا نحن نعمل على تغيير هذا النظام. ونحتاج إلى قيادة، إلى سلطة ديمقراطية مشروعة من أجل تغيير المؤسسات الأساسية في بلادنا لجعلها تخدم الأغلبية.
أسانج: يبدو لي أن الرئيس أوباما غير قادر على السيطرة على تلك القوى الكبرى التي تحيط به.. أليس هذا صحيحا بالنسبة لجميع القادة؟ وكيف تمكنت من تغيير الكثير في الاكوادور؟ هل هي علامة من علامات العصر؟ هل هي قيادتكم الشخصية؟ هل هو حزبكم؟ ما هي القوة التي تسمح لك أن تفعل شيئا لا يستطيع باراك أوباما فعله؟
كوريا: اسمح لي أن أبدأ من حيث انتهيت أنت... الحلول الوسط والتسويات، هي أمور مرغوب فيها، ولكنها ليست غاية في حد ذاتها. بالنسبة لي، سيكون من السهل جدا الاتفاق على هذا الحل الوسط، أو هذا التوافق، أو التراجع هنا والتقدم هناك، وذلك من شأنه أن يرضي كثيراً من الناس ، إلا أنه لن يغير شيئاً على الإطلاق. هذا كان سيعجب بالدرجة الأولى مختلف قوى النفوذ، ولكن كل شيء سيبقى على حاله. أحيانا يكون من المستحيل التوصل الى توافق في الآراء. لكن لا بد من مواجهة بعض الظواهر مثل الفساد... وسوء استغلال السلطة، والكذب،... هذه الرذائل الاجتماعية لا يمكننا أن نتساهل معها لأنها تلحق الضرر بمجتمعنا.
ما تم تحقيقه في الاكوادور ليس انجازي أنا أو رغبتي أنا... هذا خطأ. الناس يتغيرون. والدول تتغير ، وهذا ليس بسبب قائد ما فقط. القائد ربما يقوم بالتنسيق، ولكن التغيير هو أمر يتعلق برغبة كل الشعب. لقد قادنا الى السلطة غضب كل الشعب الاكوادوري.
وأعتقد أن هذا هو ما يحتاجه الشعب في الولايات المتحدة حتى يتمكن الرئيس أوباما من إجراء تغييرات حقيقية في ذاك البلد إنه الغضب العام وحركة "احتلوا وول ستريت"، ومظاهرات المواطنين العاديين ضد النظام، هذه الحركة تحتاج إلى أن تصبح أقوى وأكثر تجذرا وديمومة، عندما يستطيع أوباما إجراء التغييرات المطلوبة هناك.
أسانج: بودي الحديث عن الآفاق البعيدة للإكوادور ولامريكا اللأتينية عموماً. يبدو أن هناك كثيراً من الأشياء الجيدة، هناك قدر أكبر من التكامل في أمريكا الجنوبية، فقد تم رفع مستويات المعيشة، وقل تأثير الولايات المتحدة وغيرها من البلدان من خارج أمريكا اللاتينية... لكن ماذا سينتظر أمريكا اللأتينية بعد عشر، أو عشرين سنة؟
كوريا: قلت ان نفوذ الولايات المتحدة يتناقص باطراد، وهذا أمر جيد. لهذا السبب قلنا أن أميركا اللاتينية تنتقل من التوافق في الآراء مع واشنطن إلى التوافق في الآراء دون واشنطن...
أسانج: ربما سيكون توافق في الآراء مع سان باولو..
كوريا: توافق في الآراء دون واشنطن. ذلك حسن بكل تأكيد... وهذا شيء عظيم، حيث أن السياسات التي يمليها الشمال لا علاقة لها باحتياجاتنا في أمريكا اللاتينية، وإنما تمليها مصالح تلك البلدان. وعلاوة على ذلك، فقد كانت تلك السياسات هنا لخدمة المصالح المالية لتلك البلدان بالدرجة الأولى. إذا قمت بإجراء تحليل للسياسات الاقتصادية، ولندع التواضع جانباً حيث أنني ضليع بذلك، فستجد أنها سواء كانت جيدة أو سيئة، كان لها طابع مشترك، وهي أنها وضعت لخدمة مصالح مالية معينة. وهذا، لحسن الحظ، قيد التغيير الآن... لدي الكثير من الأمل، ولكني موضوعي جدا... فعلى الرغم من التقدم الكبير ، ينبغي علينا فعل الكثير. وأنا أعرف أنه يمكن شطب جميع الانجازات والعودة إلى الوضع السابق بسهولة إذا ما تسلم قيادتنا من قادنا في السابق. لكننا ننظر إلى المستقبل بتفاؤل كبير...
نعتقد أن أمريكا اللاتينية تتغير. وإذا واصنا السير في هذا الطريق ستصبح التغييرات لا رجعة فيها. ما تمر به أمريكا اللاتينية لا ينطلق من أن العصر عصر إجراء التغييرات، بل إنها تمر بتغير العصر. وإن تابعنا هذه السياسة الإقتصادية المستقلة التي تملى على السوق القواعد اللازمة وليس العكس حينما يتحول المجتمع والناس والحياة إلى سلعة تجارية ، وإن تابعنا سياسة العدالة والمساواة الإجتماعية متغلبين على الظلم الذي تراكم على مدى قرون، وإن احترمنا مواطنينا من السكان الهنود الأصليين والمنحدرين من أصول أفريقية، وهلم جرا، فسيكون لأمريكا اللاتينية مستقبل كبير... بل إنها منطقة المستقبل... لدينا كل ما يلزم لتكون المنطقة الأكثر ازدهارا في المستقبل. ونحن ان كنا لم نحقق ذلك حتى الآن، فالسبب يكمن في سوء القادة، سوء القرارات، وسوء الحكومات، وهذا ما بدأ يتغير لدينا في أمريكا اللاتينية...
أسانج: أشكركم يا سيادة الرئيس
كوريا: لقد سرني اللقاء بك يا جوليان، حتى ولو كان بهذا الشكل. حافظ على معنوياتك. وأهلا بك في نادي الملاحقين...
أسانج: شكرا لك. إعتني بنفسك... ولا تتعرض للاغتيال...